نشأت الحركات النسوية واستفحل دورها في المجتمع ونشأت معه طبيعة جديدة للمرأة وبالتبعية للرجل ،فصار الذكور إناثا وصارت النساء رجالا،وتبادل الرجال والنساء أدوارهم وطبائعهم،.. فهل كان هذا التحول سببا أم نتيجة لظهور #الحركة_النسوية؟
في محاولة لتحليل هذه الظاهرةلست أجد مستفيدا على وجه الحقيقة من الزج بالمرأة في مجتمع العمل ،وتلويث أفكارها لدفعها لاحتمال نيرانه طواعية إلا الرأسمالية العالمية، التي بزجها للمرأة في سوق العمل اكتسبت أعدادا أكبر من العمالة، و مع تزايد الطلب على الوظائف وزيادة طوابير العمالة المنتظرة من سيدات ورجال ،يبدأ صاحب العمل في تقليل الرواتب بشكل ظالم(كون العمالة متوفرة وبكثرة بعد أن تسبب نزول المرأة للعمل في وجود فائض عمالة) ،ولكون المرأة تقنع برواتب ضعيفة ،فإن الرأسمالية لا تقدم إلا أجورا هزيلة وتشح في بند الإنفاق على العمالة،وذلك لضمانها وجود شرائح كبيرة تقبل بالقيام بالعمل نظير أجر زهيد،ومن ثم فإن ضعف المرتبات قد أضر بالرجل كذلك، واضطره إلى القيام بأكثر من عمل لسد الاحتياجات التي لم يعد يسدها عمله في وظيفة واحدة،فضلا عن عمل زوجته، ولا أجد مستفيدا من هذا الوضع المزري غير الرأسمالية.
ولو عادت المرأة معززة مكرمة كملكة متوجة إلى بيتها ،لقلت العمالة ومن ثم زاد العرض وزادت المرتبات، فكفت بهذا نفسها وزوجها ويلات هذا اللهاث المستمر لكسب القوت، ولفوتت على الرأسمالية مخططها الخبيث لتوفير العمالة الرخيصة على حساب تماسك المجتمع وترابطه.
وبهذا نفسر هذا القدر الكبير من تحريض الحركات النسوية للمرأة على العمل، وهذه الحركات ممولة من شركات عملاقة ومؤسسات داعمة للرأسمالية المتوحشة، أنشأتها ومولتها تلك الشركات، وإذا عرف السبب بطل العجب.
بداية الحكاية
فمنذ فجر التاريخ والمرأة تعمل في الحقول والضياع والنسيج وفي البيت وتشارك الرجل يدا بيد في أعماله وأعمال أخرى غير أعماله، وهو أمر بديهي ولا مشاحة فيه، هذا ما اعتادت البشرية عليه وكان يتم في سلاسة وبساطة ولم تنجم عنه أزمات مجتمعية أو ينتج عنه شعور قمئ بالمنافسة بين الرجل والمرأة .
أما ما حدث منذ ظهور الحركات النسوية هو ما جعل الأمور تتخذ منحى آخر، فعمل المرأة قديما في مساعدة الرجل كان محاولة صادقة للمشاركة والبناء مع الرجل لصالح الأسرة والأبناء ،وقد كان تطوعا مشكورا تقوم به المرأة حبا لزوجها وأبنائها ودعما لهم.
ولهذا كان عمل المرأة بمثابة تقوية للأسرة وبرهانا على محبتها لزوجها وحرصها على أبنائها.
كان هذا قديما في العصور الغابرة،حتى أطلت علينا بوجهها المسخ القبيح تلك الحركات المسماة زورا بالحركات النسوية،والتي خلقت أغراضا أخرى لعمل المرأة جعلت منه فخا منصوبا وكمينا جاهزا للسقوط فيه ، فتحول العمل التطوعي للمرأة حبا ودعما للأسرة إلى نعرة عنصرية بغيضة تستخدما المرأة (بل والفتاة حديثة السن) من أجل قيم خبيثة مثل منافسة الرجل وقهر الرجل وإثبات قدرة المرأة على الحياة بدون الرجل، إذ باتت قادرة على توفير احتياجاتها من دونه بل والتفوق عليه في مهارة توفير متطلباتها ومنافسته فيها.
الحق أننا حين نراقب آداء هذه الحركات وتوجهاتها فضلا عن تأثيراتها سنصل وبمنتهى البساطة إلى نتيجة مفادها أن هذه الحركات التي تدعي النسوية هي أبعد ما يكون عن روح وطبيعة المرأة الحقة المتوازنة والسوية،وأنها أضرت بالمرأة حين زعمت أنها تنفعها.
وقد تيقننا من حقيقة أن المرأة السوية قديما كانت في أنوثتها وسكينتها ودفئها مدعومة بسلاح الأنوثة قوي الأثر ،والذي طالما استخدمته في تحقيق مآرب عز أن تصل لها المرأة النسوية المعاصرة بكل ما تبذله من جهد وشقاء أمام الرجل.
فتجد المرأة النسوية المعاصرة غير قادرة على احتواء الرجل أو الاستفادة من دعمه ومساندته، فضلا عن خلقها لعداوة غير مبررة مع الرجل الذي يفترض فيه أنه سندها الأكبر وداعمها الاهم في الحياة.
والحق أنها عندي معادلة غريبة وغير مفهومة، كانت المرأة قديما تهنأ بالسكينة في بيتها الذي كان مملكة حقيقية _مهما بلغت بساطته_و كان الرجل وحده هو المنوط بتحمل كلفة توفير هذه المملكة واحتياجاتها لتنعم المرأة بالشعور بالاستقرار والأمان ومن ثم ينعكس هذا الأمان على الأبناء وعلى أجواء السكن المريح وبالتالي على الرجل.
في تلك الأثناء تعيش المرأة فطرتها السليمة الناعمة القوية في نعومتها والأشد تأثيرا على الرجل واحتواءا له من أي منافسة تلجأ لها لتناطحه أدواره وأعماله.
ولست أدري حقيقة أي حق استجلبته الحركات النسوية للمرأة حتى الآن؟
فمناداتهم بقيم مثل (حق المرأة في العمل) لا أفهمها إلا بقدر ما أفهم قولهم (ننادي بحق المرأة في الشقاء والعذاب ،وحقها في تحمل أعباء وضغوط إضافية من أعمال ومهام الرجل، وحق المرأة في أن تضيف إلى أدوراها الأساسية في البيت مهمات أخرى تثقل كاهلها وتذبل جمالها وتشتت حياتها وتبعثر عمرها وأيامها، وحقها في حرمانها من السكينة والراحة مع زوجها والأمان مع صغارها، وننادي بحقها في التعامل مع الرجل بوصفه عدوا لدودا ينبغي هزيمته بدلا من النظر له بوصفه سندا محبا نذر عمره لخدمة زوجته وأبناءه) وتلك هي الترجمة العملية كما أراها.
و أنا إذ أتأمل حال المرأة اليوم بعد تأثرها بأفكار الحركة النسوية المشوهة أجدها أشد بؤسا مما يمكن أن تصفه الكلمات.
فالواقع والتجربة يؤكدان أن المرأة بعد خروجها للعمل تعرضت لقهر أشد كثيرا من القهر الذي كانت تزعم أنها خرجت من بيتها لتحاشيه.
فإن كانت المرأة صادقة في زعمها احتمال قهر _علي أي مستوي_من زوجها ألجأها للخروج للعمل، فإنها قد باتت اليوم تحتمل قهرا أعظم من رؤساء العمل وزملاء العمل ومن سائق الحافلة ومن كل من تواجههم من لحظة خروجها من المنزل وحتى عودتها له، ليستقبلها قهر جديد ممثل في البدء بأعمالها المنزلية على ما فيها من جهد ومشقة بعد أن استنزفت جل طاقتها في يوم عمل شاق.
هذا هو قليل من كثير من انواع القهر البدني والاستنزاف الطاقي واحتمالها ضغوط فوق طاقتها ، فضلا عن لون آخر من ألوان القهر وهو القهر العاطفي .
فالمرأة التي تخرج من المنزل للعمل فإنها تظل مع زميل العمل مدة ثماني ساعات يوميا _وهو الوقت الذي لا تقضي مثله مع زوجها كونها منشغلة طوال يومها_ ولنا أن نتخيل حجم الفتنة التي ستتعرض لها تلك المرأة مهما كانت متعففة سليمة القلب، فهي تجالس زميل العمل لأوقات طويلة أياما وشهورا بل وأعوام، في حين أن جلوسها مع زوجها قد لا يتجاوز اللحظات ،كونها لا تجد وقتا ولا طاقة لتفعل هذا.
فالمرأة تنطلق في أول يومها مكتملة النشاط لتنثر بريقها وحيويتها وطاقتها في مجتمع العمل، ثم ما تلبث تعود في آخر النهار لزوجها جثة هامدة استنزفت طاقتها وزال عنها بريقها، لتلهث وراء الأعمال المنزلية التي _بالطبع_ لن يساعدها فيها الزوج.
وهنا يكمن الداء، فالمرأة قد تتعلق بزميل العمل وتقع في معضلة خطيرة، فإنما أن تكمل حياتها ممزقة بين رجلين احدهما يمتلك جسدها وهو زوجها والآخر يملك قلبها وهو زميل العمل.
وإما أن تطلب طلاقها كونه الحل الأشرف لها والأرضى لضميرها_هذا إن كانت على خلق_، وهنا ينهار البيت ويتشتت الأطفال.
هذا وإن قال قائل أن هذه تجارب فردية لا يمكن تعميمها وليست كل من خرجت للعمل عرضة لمثل هذا ، فأقول له نعم ربما ،لكنها حالة موجودة في مجتمع المرأة العاملة بل موجودة بكثرة.
وهنا تضيف المرأة العاملة إلى مرارتها بقهر زوجها قهر من يرئسونها من الرجال وتزيد على قهرها البدني قهرا عاطفيا ، ثم ما تلبث أن تكون تحت تأثير هذه الضغوط الهائلة فريسة للانهيار المفاجئ، ثم ما تلبث بانهيارها أن تنهار الأسرة ويضيع الأبناء،…ومع تكرار المشهد في العديد من البيوت تنهار الأسر ويتفتت نسيج المجتمع ونرى ما رأيناه بأم أعيننا رأي المعاين لا المخبر.
هذا ما أفرخته الحركات النسوية من نتائج كارثية على المرأة،فماذا فعلت كذلك بالرجل؟؟
الرجل الذي كان قديما يرى في المرأة شريكا صادقا مؤنسا وكان يجد فيها سكنه وراحته، كان لا يألو جهدا في الحفاظ عليه وعلى (ست الدار) التي كانت رمانة الميزان في البيت ومصدر شعوره بالاستقرار والأمان ،فهي المأوي وهي الداعم وهي مصنع الرجال والنساء ،وهي من تنشئ أبنائه وترعى نسله،وهي مأمونة الجانب كونها لا تجد عن بيتها بديلا وليس ثمة احتمال لاستغناءها عنه ،تماما كما أنه غير قادر على الاستغناء عنها.
بهذه العقلية والرؤية كان يبذل الرجل جهده وماله لتلك المرأة التي لا تستقيم حياته بدونها.
أما اليوم وبعد تفشي أفكار الحركة النسوية ،فقد بات الرجل ينظر للمرأة نظرة ملؤها الشك المستوجب للحذر، فقد باتت زاعقة صاخبة في تمردها عليه واستغنائها عنه، فضلا عن نظرتها الدونية له حين تتعمد كسر رجولته بكلمات مفادها (أنا من تنفق على البيت،أنت عديم الفائدة) أو في الحد الأدنى أن تعامله بندية تنافسية بغيضة تقتل كل روح للتكامل والتحاب فيما بينهما، فبدأ الرجل يستكثر عليها جهده وماله فيبخل عليها.
وانتقاما منها يتركها تشقى ويشح عليها في النفقات، فتجده وقد جدت عليه طباع جديدة دخيلة على طباع الرجل الأصلية،حيث الأصل أن يسعد الرجل بنجاحه في تلبية احتياجات أسرته.
ثم تفاجأ المرأة العاملة التي يبخل عليها زوجها به وقد تزوج امرأة أخري (أو رافقها) يكرمها وينفق عليها كما ينبغي، وقد زالت عنه معها صفة البخل وأمارات الشح.
حين تبحث عن السبب،تجد الزوجة الجديدة امرأة سوية كاملة الأنوثة ،تنشغل بما يصلح أنوثتها ويحفظ لها بريقها عوضا عن انشغالها بمنافسة الرجل ومحاولة إثبات نديتها معه وقهره، وأرى في هذا نتيجة_ لا سببا_ لما تنادي به الحركات النسوية.
فالرجل فقد رجولته حين فقدت المرأة أنوثتها وليس العكس كما تدعي منظرات الحركة النسوية ،بدليل أن رجال الأمس كانوا يقومون بمهماتهم وأدوارهم على أكمل وجه، ..هذا بالطبع قبل نعرات النسوية وزعقاتها القميئة.
وحين تعتدل طبيعة المرأة، تعتدل طبيعة الرجل.
وحين تنتكس المرأة وتغفل عن دورها الأسمى في الحياة وتلهث وراء نعرات هدامة ستكون النتيجة الحتمية خسائر تدفع كلفتها من عمرها واستقرارها واستقرار أبنائها ، فقط لانجرافها وراء نعرات تطلقها منطمات مشبوهة معلوم من هي الجهات التي تمولها.
وأغلب القائمات عليها ورائداتها من النساء المنتكسات نفسيا والمنكوبات في حياتهن الاجتماعية ،يسقطن تجاربهن الفاشلة على الأخريات ، ولست أدري كيف تقوم بالتنظير لنجاح غيرها من فشلت في إنجاح تجربتها؟؟
الأمر يحتاج إلى حوار مجتمعي صادق، ولن يكون الحل بالطبع هو انسحاب المرأة المفاجئ من العمل ،فهذا إن قلته كنت عابثة غير مدركة للواقع.
لكن في الحد الأدنى العودة إلى القيم السوية وتهيأة فتيات الجيل الجديد للعودة لروح الفطرة، والاعتراف لبنانتا أن الانسياق وراء تلك النعرات هو طريق زائف لا يصل بالمرأة إلا إلى الخسران.
أما من زعم أن خروج المرأة للعمل قد تحققت به بعض من مزايا للمرأة ،مثل قيم تحقيق الذات وتقدير الذات فأقول:
إن تحقق المرأة يمكن أن يتم من خلال تعليمها وتثقيفها، وقد كانت الدعوات الأولى للحركات النسوية في القرن المنصرم منصبة على المطالبة بتعليم المرأة لا المطالبة بعملها.
وإن صح أن احتياج تقدير وتحقيق الذات يهم فئة بعينها من النساء المرفهات،فهذا لا يمكن تعميمه في مجمل النساء،بدليل أن أغلب العاملات الآن يشتكين من قهر العمل وضغوطه،بعد أن انتبهن إلي عاقبة الفخ الذي أسقطتهن فيه الحركات النسوية.
ولكل من اعتبر أن رجوع المرأة للبيت هو بمثابة ردة حضارية أو انتكاسة أقول:
إن الردة الحضارية قد تحققت بإهانة المرأة واضطرارها للخروج للعمل وتحمليها هذا القدر الكبير من الضغوط والأعباء المجافية لفطرتها وأنوثتها.
والحق أن من ينظرون لعمل المرأة باعتباره مكسبا للمرأة وانتصارا لها عليهم أن يراجعوا حقيقة أوهامهم،ولهم أقول:
أفيقوا.. فما زدتم على أن جعلتم من المرأة حيوانا يدور في ساقية،وحملتموها فوق طاقتها.
فلا هي أصبحت رجلا كمن نافستهم من الرجال،..ولا هي بقيت أنثى كما خلقها الله.
ولا هي أراحت نفسها المنكوبة وروحها المضطربة حين حاربت فطرتها السليمة واحتياجاتها الطبيعية في تلقي الدعم والأمان والقرب من الأبناء والسكينة في البيت.
وسكينتها في بيتها لا يعني أن تتحول لخادمة لكل أفراده،بل هي تقوم بأدوار سامية راقية عز أن تجمع بينها أقوى الموظفات والعاملات.
فهي حين تسكن في بيتها تكون معلمة ومؤدبة ومسؤلة وأستاذة لصغارها،وهي طبيب نفسي لزوجها وأولادها، وهي طاهية ماهرة ومدبرة خبيرة اقتصادية.
ولا شئ يقلل أبدا من قيمة ربة المنزل إلا أوهام وأكاذيب المنظمات المشبوهة التي أعتبرها العدو الحقيقي للمرأة ،بعد نفسها إن أطاعت هذه المنظمات..
كان بإمكان الحركات النسوية التركيز على توعية المجتمع بضرورة احترام المرأة أما وزوجة واحتوائها أختا وبنتا ورعياتها وإعلاء شأنها ،وأن يحدث هذا من دون الزج بها في جحيم مجتمع العمل ونيرانه وكلفته الباهظة.
ولهم أقول.. أروني ثمار دعواتكم أقل لكم إن كانت حقة أم باطلة.
ونستثني من هذه الدعوة(إن تم اعتبارها دعوة) الأرامل والمبتليات بضعف الحال ومن لا يجدن معيلا، وحتى هذه الشرائح ينبغي أن تقوم الدولة بدورها في رعياتهن ورعاية أبنائهن،لا أن يتركن فريسة للفقر والعوز ومن ثم يضطررن للخروج للعمل والتعرض لهذا القدر الكبير من القهر والضغوط.
فلا مشاحة في أن رجوع المجتمع_ نساءا ورجالا_ للحق فضيلة .
وأي فضيلة ..
هي فضيلة تعيد للمجتمع تماسكه وقوته وروحه الهادئة الناعمة التي افتقدناها كثيرا.